عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

وجمعه وبل نحو : راكب وركب ، وصاحب وصحب. وقد جمع جمع العقلاء للنفع الحاصل به المشبه لنفع العقلاء في قول الشاعر (١) : [من البسيط]

يلاعب الريح بالعصرين قسطله

والوابلون وتهتان التّجاويد

ويجمع أيضا على وبّل ووبّال ، نحو ضارب وضرّب وضرّاب. قوله تعالى : (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها)(٢) أي وخامته وسوء عاقبته. يقال : ماء وبيل ، وطعام وبيل (٣). واستوبلت الشيء : كرهته. ومن ثمّ الوبال : ثقل الشيء المكروه. قال بعضهم : ولمراعاة الثّقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره : وبال. وقوله : (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً)(٤) أي شديدا ثقيلا ليس له منه مناص. واستوبلت البلد : إذا ثقلت عليك الإقامة فكرهته. ومنه قول دريد : [من الرجز]

في كلّ يوم منزل مستوبل

بسيف ما مهيجتي أو محتوى

وأهدى رجل للحسين رضي الله عنه هدية بحضرة أبيه عليّ رضي الله تعالى عنهما وأخيه محمد ابن الحنفية فانكسر قلبه ، ففهم ذلك عليّ رضي الله عنه فأومأ إلى وابلة محمد ثمّ قال متمثلا بقول عمرو بن كلثوم (٥) :

وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

فأهدى الرجل لمحمد مثل ذلك. قال ابن الأعرابيّ : الوابلة : طرف الكتف. وفي الحديث : «أيّ مال أدّيت زكاته فقد ذهبت أبلته» (٦) أي وبلته. يريد الوبال ، فأبدل واوه همزة. وقد وبلت السماء وأوبلت ؛ لغتان ، بمعنى شرقت وأشرقت.

__________________

(١) الشعر لصخر الغيّ ، كما في اللسان ـ مادة جود. وفيه : قصطله.

(٢) ٩ / الطلاق : ٦٥.

(٣) يخاف وباله.

(٤) ١٦ / المزمل : ٧٣.

(٥) وفي الأصل : للحارث بن حلزة ، وهو وهم. والبيت لعمرو من معلقته كما في جمهرة أشعار العرب : ١١٨. كما يروى لعمرو بن عدي اللخمي ، وانظر شرح القصائد العشر للتبريزي : ٢١١. وهو مذكور مع الخبر في النهاية : ٥ / ١٤٧ ، من غير عزو.

(٦) النهاية : ٥ / ١٤٦ ، وفيه : «وبلته».

٣٢١

فصل الواو والتاء

و ت د :

قوله تعالى : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً)(١) الأوتاد : جمع وتد ، بكسر التاء ـ وهو المشهور ـ وبفتحها ، وتدغم التاء في الدال فيقال : ودّ. والوتد : معروف ، ويعبّر عن ثبات الشيء واستقراره. ومنه الآية الكريمة ، لأنّ الله تعالى لمّا خلق الأرض على الماء جعلت تتكافأ كالسّفينة ، فأرساها وثبّتها بالجبال لقوله في موضع آخر : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)(٢) فهي بمنزلة أوتاد الخيمة المشدود عليها أطنابها. وقد يعبّر بذلك عن ثبات الأمر ورسوخه. ومنه قولهم : ثبّت الله أوتادك. وإليه نحا القائل : [من الكامل]

في ظلّ ملك ثابت الأوتاد

وقال جران العود (٣) : [من البسيط]

والملك لا يبنى إلا على عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

وقيل ذلك في قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ)(٤). قيل : بل كان له أوتاد حقيقة ، اتّخذها من حديد وضربها في الأرض. وكان إذا أراد أن يعذّب أحدا ربطه. ثم يرسل عليه الحيّات. وقيل للنّاتىء خلف الأذن : وتدها على التّشبيه الصّوريّ. ويضرب بالوتد المثل (٥) في الذّلّ والصّغار فيقال : «هو أذلّ من وتد» (٦). قال الشاعر : [من الوافر]

وكنت أذلّ من وتد بقاع

يشجّج رأسه بالفهر واج

__________________

(١) ٧ / النبأ : ٧٨.

(٢) ١٥ / النحل : ١٦.

(٣) البيت ليس في ديوانه.

(٤) ١٠ / الفجر : ٨٩.

(٥) الكلمة ساقطة من ح.

(٦) وتمام المثل : «أذل من وتد بقاع» (المستقصى : ١ / ١٣٦). والمعنى : لا يمتنع على من وجأه بفهر أو دفعه بصخر. والبيت بعده مذكور فيه ، والبيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت.

٣٢٢

وقال آخر (١) : [من البسيط]

ولا يقيم على ضيم يراد به (٢)

إلا الأذلّان : عير الحيّ والوتد

هذا على الخيف مربوط برمّته

وذا يشجّ فلا يرثي له أحد

والوتد في اصطلاح العروضيين ينقسم إلى وتد مجموع ووتد مفروق ؛ فالمجموع متحركان بعدهما ساكن ، والمفروق ساكنان بعدهما متحرّك (٣). وقد وتد الوتد أتده أتدا ، أي ثبّته.

و ت ر :

قوله تعالى : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)(٤) الوتر في العدد يقابل بالشّفع ، كالفرد والزوج. قال ابن عباس : الوتر آدم والشّفع زوجه. وقيل : الوتر هو الباري تعالى لتوحّده ، والشّفع جميع خلقه لأنّه تعالى خلقهم أزواجا. وقيل : الوتر يوم عرفة ، والشّفع يوم النّحر. وقيل : المراد بهما الأعداد ، وفيه لغتان ـ وقرىء بهما في المتواتر ـ فتح الوتر وكسرها. والوتر والوتر أيضا : الذّحل ، وكذا التّرة نحو الوعد والعدة. ومنه قول الشاعر : [من الوافر]

أنخنا حيّهم طعنا وضربا

وخير الطالبي التّرة الغشوم

بنصب التّرة على حذف نون الطالبين تخفيفا للطّول ، والجمع أوتار. وفي الحديث : «قلّدوا الخيل ولا تقلّدوها الأوتار» (٥) أي لا تطلبوا عليها الدّخول التي وترتم بها في الجاهلية. وقال أنس ابن مالك : كانوا يقلّدونها أوتار القسيّ دفعا للعين ، فأمرهم بقطعها ، ليعلّمهم أنّ ذلك لا يردّ من الله شيئا. وقال محمد بن الحسن : نهاهم عن تقليدها بأوتار القسيّ لئلا تختنق.

قوله تعالى : (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ)(٦) قيل : معناه لن يصيبكم بمكروه. يقال :

__________________

(١) البيت الأول من شواهد تاج العروس ـ مادة وتد.

(٢) وفي التاج : يعرفها.

(٣) كذا ، والمفروق متحركان بينهما ساكن.

(٤) ٣ / الفجر : ٨٩.

(٥) النهاية : ٥ / ١٤٨. الأوتار : جمع وتر ـ بالكسر ـ وهي الجناية.

(٦) ٣٥ / محمد : ٤٧.

٣٢٣

وترته ، أي أصبته بمكروه. وأصله ممّا تقدّم. وقيل : لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم. وفي الحديث : «من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله» (١) قيل : هو من النّقص ، أي نقص أهله ، بمعنى خسرهم. وقال أبو بكر : أصله من الوتر الذي هو الجناية التي يجنيها الرجل على الرجل من قبل حميمه أو أخذ ماله. فشبّه ما يلحق هذا الذي فاتته صلاة العصر بما يلحق الموتور من قبل حميمه وأخذ ماله.

والوتر : النافلة المعروفة ؛ سميت بذلك لختمها بالوتر ، وهو ركعة واحدة. يقال : أوتر صلاته ، أي جعلها وترا. ومنه الحديث : «ومن استجمر فليوتر» (٢) أي فليجعل ما يتجمّر به وترا. قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا)(٣) أي متتابعين بعضا في إثر بعض ، من المواترة. والأصل وترى فأبدلت الواو تاء على حدّ إبدالها في تخمة وترات. وقال الهرويّ : أي متواترة يجيء بعضها في إثر بعض وبينهم فترة. قال : ومنه حديث أبي هريرة : «لا بأس بقضاء رمضان تترى» (٤) أي متقطعا. وقال يونس : تترى ، أي متفاوتة الأوقات. وجاءت الخيل تترى (٥) أي متقطعة (٦). وفي رواية أخرى عن أبي هريرة : «في قضاء رمضان» قال : متواترة. قال أبو الرّقش : يصوم يوما ويفطر يوما ، أو يصوم يومين ويفطر يومين ، لا تكون المتواترة مواظبة حتى يكون بينهما شيء. وقال بعضهم : التواتر : تتابع الشيء وترا وفرادى.

قال تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) قلت : أصله : أن يجيئوا وترا وترا. ثم اتّسع فيه حتى جعل لمجرّد التّتابع. وإن كانوا أزواجا لا أوتارا ؛ أزواجا أي متنوّعين بالنّوعين معا. والتّواتر في اصطلاح المتشرّعة عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب مع استواء الطرفين والوسط ، والعلم بخبره ضروريّ. ويقابله إخبار الآحاد. وهو ما لم يبلغ ذلك العدد. والوتيرة أيضا : السجيّة. يقال : هم على وتيرة واحدة ، أي سجيّة وحالة واحدة. ومنه حديث

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٤٨.

(٢) النهاية : ٥ / ١٤٧ ، وفيه : «إذا استجمرت فأوتر». أي اجعل الحجارة واحدة أو ثلاثا ، أو خمسا.

(٣) ٤٤ / المؤمنون : ٢٣.

(٤) النهاية : ٥ / ١٤٨.

(٥) النهاية : ٥ / ١٤٨.

(٦) قال الفراء : يقال تترى في الرفع والنصب والجر والألف فهي بدل من التنوين. وقال ثعلب : هي تفعل ، وغلّطه أبو علي.

٣٢٤

العباس : «فلم يزل على وتيرة واحدة حتى مات» (١) قال أبو عبيدة : الوتيرة : المداومة على الشيء وهو مأخوذ من التّواتر. والوتيرة والوترة : الحاجز بين المنخرين. ومنه حديث زيد : «في الوترة ثلث الدّية» (٢). والوتيرة أيضا : الحلقة التي يتعلّم عليها الرّمي ، والأرض المنقادة.

و ت ن :

قوله تعالى : (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)(٣) الوتين : عرق مستبطن في القفا إذا انقطع مات صاحبه لا محالة. ويقال : إنّه عرق متّصلّ بالكبد ، لكنّه يسقيها لا يعيش من انقطع منه. وقيل : هو مناط القلب إذا انقطع لم يكن معه حيا. وقد وتن الرجل ، فهو موتون ، أي قطع وتينه. واستوتن الإبل : غلظ وتينها من السّمن. فالمواتنة أن يقرب منه قربا كقرب الوتين ، وكأنّه إشارة إلى قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٤). وفي الحديث : «أمّا تيماء فعين جارية وأمّا خيبر فماء واتن» (٥) أي دائم ، كذا فسّره الهرويّ.

فصل الواو والثاء

و ث ق :

قوله تعالى : (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ)(٦) الموثق : العهد المؤكّد باليمين ، أصله من الوثوق بالشيء وهو الاطمئنان بالشيء. يقال : وثقت به أثق ثقة : إذا سكنت إليه واعتمدت عليه. فالموثق مصدر كالموعد. قال تعالى : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ)(٧) والوثاق (٨) :

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٤٩ ، في صفة عمر (رضي).

(٢) المصدر السابق.

(٣) ٤٦ / الحاقة : ٦٩.

(٤) ١٦ / ق : ٥٠.

(٥) النهاية : ٥ / ١٥٠.

(٦) ٦٦ / يوسف : ١٢.

(٧) تابع الآية السابقة.

(٨) بفتح الواو وكسرها.

٣٢٥

ما يشدّ به الموثوق. قال تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ)(١) وهو عبارة عن الأسر. ومنه : (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ)(٢) والوثقى فعلى منه نحو قوله تعالى : (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)(٣).

وناقة موثقة الخلق : محكمته. ورجل ثقة كقولهم : رجل عدل. وامرأة ثقة ، ورجال ثقة. وقد يقال : ثقات.

و ث ن :

قوله تعالى : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً)(٤) هي جمع وثن. قيل : هو الصّنم. وقيل : بينهما فرق ؛ فالوثن ما كان له جثّة من خشب أو ذهب أو فضّة أو نحاس أو حجر ، ينحت وينصب فيعبد من دون الله. والصّنم : الصورة بلا جثّة ، قاله أبو منصور. وقال ابن عرفة : ما كان له صورة من حجارة أو جصّ أو غيره فهو وثن. وقيل : الأوثان : حجارة كانت تعبد من دون الله ، وتجوّز بها في تكثير العطية. فقيل : أوثنت فلانا : أجزلت عطيته. وأوثنت من كذا ، أي أكثرت منه.

فصل الواو والجيم

و ج ب :

قوله تعالى : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها)(٥) أي سقطت. يقال : وجب الحائط ، أي سقط ووقع. ومنه : وجبت الشمس ، أي غابت. وحقيقته : سقط قرصها في رأس العين. والوجوب أيضا الثبوت والاستقرار ، ويعبّر به عن الموت فيقال : وجب فلان ، أي مات ؛ تخيّلوا فيه السقوط والثّبوت. ومنه قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه : «فإذا وجب ونضب

__________________

(١) ٤ / محمد : ٤٧.

(٢) ٢٦ / الفجر : ٨٩.

(٣) ٢٥٦ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٤) ١٧ / العنكبوت : ٢٩.

(٥) ٣٦ / الحج : ٢٢.

٣٢٦

عمره وضحا ظلّه» (١) يريد بهذه الألفاظ أنه مات. وأنشد لقيس بن الخطيم الأنصاريّ (٢) : [من الطويل]

أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم

عن السّلم حتى كان أوّل واجب

أي أول ميّت (٣).

ووجّبت به الأرض توجيبا : أسقطته عليها. وأوجب كذا : ختمه. ومنه الواجبات التي أوجبها الله تعالى على عباده من عباداته. والواجب في اصطلاح المتشرّعة ما يذمّ تاركه شرعا قصدا مطلقا. وأوجب فلان : استوجب بها النار. والموجبات تطلق على ما يوجب النار وما يوجب الجنّة ، هذا هو الصّحيح. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «أسألك موجبات رحمتك» (٤). وقال الراغب (٥) : وعبّر بالموجبات عن الكبائر التي أوجب الله عليها النار. فإن عنى بذلك الغالب فقريب ، وإن عنى به الاختصاص فممنوع للحديث المتقدّم. وقال بعضهم : والواجب يقال على أوجه : أحدها يقال في مقابلة الممكن ، وهو الحاصل الذي إذا قدّر كونه مرتفعا حصل منه محال ، نحو وجود الواحد مع وجود الاثنين ؛ فإنّه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين. الثاني يقال في مقابلة الذي إذا لم يفعل يستحقّ به اللّوم ، وذلك ضربان : واجب من جهة العقل ، كوجوب معرفة الوحدانيّة والنبوّة ، وواجب من جهة الشّرع ، كوجوب العبادات الموظّفة.

وقال آخرون : الواجب قسمان : أحدهما يراد به اللازم الوجوب ، وأنه لا يصحّ ألّا يكون موجودا ، كقولنا في الباري : واجب وجوده. والثاني بمعنى أنّ حقّه أن يوجد. قال الراغب : وقول الفقهاء : الواجب ما إذا لم يفعله يستحقّ صاحبه العقاب ، فذلك وصف له بشيء عارض له ، ويجري مجرى من يقول : الإنسان إذا مشى مشى برجلين.

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٥٤ ، عدا «وضحا ظله». يقال للميّت : قد ضحا ظلّه.

(٢) ديوان قيس بن الخطيم : ٩٠.

(٣) قاله من قصيدة يصف حربا وقعت بين الأوس والخزرج في يوم بعاث.

(٤) النهاية : ٥ / ١٥٣.

(٥) المفردات : ٥١٢.

٣٢٧

و ج د :

قوله تعالى : (مِنْ وُجْدِكُمْ)(١) أي من سعة مالكم. والوجد والجدة (٢) : السّعة في المال والمقدرة عليه. يقال : رجل واجد بيّن الوجد والجدة. وفي الحديث : «ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه» (٣) ، وهو بمعنى الحديث الآخر : «مطل الغنيّ ظلم» (٤).

ووجد يقال بمعان ، وفرّقوا بينها بمصادرها فقالوا : وجد زيد ، أي صار غنيا ، وجدانا وجدة. قال الراغب (٥) : وقد حكي فيه الوجد والوجد والوجد. ووجد الضّالّة وجدانا ووجودا. ووجد عليه السّلطان ، أي غضب ، وجدا وموجدة. ووجدت زيدا عالما ، أي ظننته ، أي علمته وجدا. ووجد فلان بفلانة وجدا ، أي أحبّها. ومنه الحديث عن ابن عمر : قال أبو صرد في صفة عجوز : «ما بطنها بوالد ولا زوجها بواجد» (٦) أي غير محبّ لها.

وقال الراغب : الوجود أضرب : وجود بإحدى الحواسّ الخمس ، نحو وجدت زيدا ، ووجدت طعمه ولونه وصوته وريحه وخشونته. ووجود بقوة الشهوة نحو : وجدت الشّبع. ووجود بقوة الغضب كوجود الحزن والسّخط. ووجود بالعقل وبواسطة العقل كمعرفة الله تعالى ومعرفة النبوّة وما نسب إلى الله تعالى من الوجود. فبمعنى العلم المجرّد إذ كان الله منزّها عن الوصف بالجوارح والآلات نحو قوله تعالى : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٧). وكذا المعدوم يقال على هذه الأوجه. وقوله : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ)(٨) وقوله : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ)(٩) انتهى. وفيه نظر ؛ إذ البصر كاف في تجويز الإخبار بذلك دون البصيرة ، لأنه إخبار بسجود ، وذلك يدرك بحاسّة البصر.

__________________

(١) ١ / الطلاق : ٦٥.

(٢) وفي س : والوجدة.

(٣) النهاية : ٥ / ١٥٥ ، أي القادر على قضاء دينه.

(٤) رواه أبو هريرة كما عند البخاري ومسلم.

(٥) المفردات : ٥١٣.

(٦) النهاية : ٥ / ١٥٦.

(٧) ١٠٢ / الأعراف : ٧.

(٨) ٢٣ / النمل : ٢٧.

(٩) الآية : بعدها.

٣٢٨

وقد قسم بعضهم الموجودات إلى ثلاثة أضرب : ضرب لا مبدأ له ولا منتهى ، وليس ذلك إلا للباري تعالى. وموجود له مبدأ ونهاية ، وهو الجواهر الدّنيوية. وموجود له مبدأ ولا منتهى له ، وهو الموجود في النّشأة الآخرة (١).

و ج س :

قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً)(٢) أي أحسّ. وهو قريب من الوجدان. وقيل : معناه أضمر ، ومثله : (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)(٣). وقيل : الوجس : الصّوت الخفيّ. والتّوجّس : التّسمّع. والإيجاس : وجود ذلك في النّفس. وفي الحديث : «نهى عن الوجس» (٤) ؛ هو أن يكون الرجل مع إحدى جاريتيه والأخرى تسمع حسّه (٥). وهو الفهر أيضا ؛ وقد أفهر الرجل فعل ذلك. وأوجست منه أمرا ؛ خيرا أو شرا ، أي وقع في نفسي ذلك.

و ج ف :

قوله تعالى : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ)(٦) أي مضطربة قلقة عن مقارّها لما تشاهد من الأهوال لقوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ)(٧) ومثله : قلوب طائرة وخافقة ، ونحو ذلك من

__________________

(١) جاء تعليق على مادة وجد في هامش الورقة ٤٢١ / ح : «قال ابن الصلاح : قولهم : وجد ضالته وجدانا ، ومطلوبه وجودا ، وفي الغضب موجدة ، وفي الغنى وجدا ، وفي الحب وجدا. قيل : وفي الغضب جدة ، وفي الغنى إجدان أيضا. في شرح الألفية في الإجادة. قال ابن سيده : وهذا بدل الهمزة في الواو وليس معنى من المعاني مقتصرا على مصدر واحد إلا في الحب كان مصدره وجد بالفتح لا غير ، وكذلك هو مصدر وجد بمعنى حزن ، قاله الجوهري. وأما في المطلوب فله مصدران : وجود ووجدان. وأما في الضالّة فله أجدان. وأما بمعنى الغضب فله مصادر : موجدة ، وجدة ، ووجد ـ بالفتح ـ ، ووجدان. وأما بمعنى الغنى فله مصادر أربعة : وجد ـ مثلث الواو ـ وجدة. حكاها الجوهري».

(٢) ٦٧ / طه : ٢٠.

(٣) ٧٠ / هود : ١١.

(٤) النهاية : ٥ / ١٥٧.

(٥) لعله يريد : حسّهما ، فهذا أوقع للمعنى.

(٦) ٨ / النازعات : ٧٩.

(٧) ١٨ / غافر : ٤٠.

٣٢٩

الاستعارات. قوله : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ)(١). الإيجاف : الإسراع ؛ يقال : أوجف الراكب ، أي أسرع. وسير وجيف. وفي المثل : «أدلّ فأمّل وأوجف فأعجف» (٢).

و ج ل :

قوله تعالى : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(٣) أي خافت. يقال : وجل يوجل وجلا. وقيل : الوجل : استشعار الخوف. ويقال : يوجل وييجل ؛ كسروا الياء ليقلبوا الواو ياء توصّلا للأخفّ ؛ وإن كان كسر حرف المضارعة إن كان ياء ممنوعا في المشهور. وإنّما قلت في المشهور لقراءة شاذّة : فإنهم يئلمون كما تئلمون (٤) وكان الذي حسّن هذا مجاورته ل «تليت» الجائز الكسر.

و ج ه :

قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(٥). الوجه يعبّر به عن الذات ، والباري تعالى ينزّه عن الجارحة ، ومثله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ)(٦) (وإنّما عبّر به عن الذّات في لسان العرب لأنّه أشرف الأعضاء. وقيل في قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ)(٧) أراد بالوجه هنا التوجّه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة. وقيل لعبد الله الرّضا (٨) في قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) : إنّ الوجه زائد ، والمعنى : كلّ شيء هالك إلا هو. فقال : سبحان الله! لقد قالوا قولا عظيما ، إنّما عني الوجه الذي يؤتى منه ، ومعناه كلّ شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به. وقيل هذا في قوله : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِ

__________________

(١) ٦ / الحشر : ٥٩.

(٢) العجف : ذهاب السمن والهزال.

(٣) ٢ / الأنفال : ٨.

(٤) ١٠٤ / النساء : ٤ ، والآية هي : «فإنهم يألمون كما تألمون».

(٥) ٨٨ / القصص : ٢٨.

(٦) ٢٧ / الرحمن : ٥٥.

(٧) ما بين قوسين ساقط من ح.

(٨) وفي س : لأبي عبد الله بن الرضا ، يؤيده الراغب.

٣٣٠

مَسْجِدٍ)(١) أي أخلصوا وجوهكم في الصلاة لله تعالى. فأراد بالإقامة تحرّي الاستقامة ، وبالوجه التوجّه.

وقال الراغب (٢) : أراد به الجارحة واستعارها ، كقولك : فعلت كذا بيدي. ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان ، وأوّل ما يستقبل به ويستقبلك به غيرك ، استعمل في مستقبل كلّ شيء وفي أشرفه ومبدئه ، فقيل : فلان وجه القوم ، كقولك : رأسهم ، وعينهم ، ووجه النهار : صدره ، كقوله : (وَجْهَ النَّهارِ)(٣) ، بدليل قوله : (آخِرَهُ)(٤) وقال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا (٥) : [من الكامل]

من كان مسرورا بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار (٦)

قوله : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ)(٧) أي قصدت لعبادتي وتوجّهي. والوجه : المقصد والمذهب. يقال : ذهب فلان في وجه كذا ، أي في ذهب كذا. والجهة والوجهة بمعنى ، وهما المقصد والمذهب. قال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)(٨). ومثله قوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)(٩). وواجهته : جعلت وجهي تلقاء وجهه.

قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(١٠) أي متعبّداته ، وذلك أنّ ناسا اجتهدوا في أمر القبلة في ليل ، ثم أصبحوا فوجدوا كلّ طائفة صلّت إلى جهة ، فنزلت. قال ابن عرفة : اعلم أنّ الوجوه كلّها له ؛ فأينما وجّه أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتعبّدها فذلك الوجه له. وواجهت فلانا : جعلت وجهك تلقاء وجهه.

__________________

(١) ٢٩ / الأعراف : ٧.

(٢) المفردات : ٥١٤.

(٣) الكلمة ساقطة من س ، وهي من الآية : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) (٧٢ / آل عمران : ٣).

(٤) اللسان ـ مادة وجه.

(٥) وفي ح : بمقتل نهار.

(٦) ٧٩ / الأنعام : ٦.

(٧) ١٤٨ / البقرة : ٢.

(٨) ٤٨ / المائدة : ٥.

(٩) ١١٥ / البقرة : ٢.

٣٣١

والجاه : مقلوب من الوجه ، قال الراغب (١) : لكن الوجه يقال في العضو والحظوة. والجاه لا يقال إلا في الحظوة. قوله تعالى : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً)(٢) أي ذو جاه ووجاهة. وكذا قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٣) لأنّ الناس يشتركون في وجاهة الدنيا ، ولا يفوز بوجاهة الآخرة إلا الخلّص كالأنبياء ومن قاربهم في الحظوة. وعن عائشة : «كان لعليّ وجه من الناس حياة فاطمة» رضي الله تعالى عنهم أجمعين (٤) يعني أنّه كان ذا جاه مدّة حياة فاطمة الزّهراء قد فقده بعدها. وكذا والله كان.

وفي الحديث : «وذكر فتنا كوجوه البقر» (٥) يعني متشابهة ، فأذا قصد التّساوي في الأشياء قيل : كوجوه البقر (٦). قيل : أخذوه من قوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا)(٧). وفي حديث أهل البيت : «لا يحبّنا الأحدب الموجّه» (٨) قال أبو العباس : هو صاحب الحدبتين ؛ واحدة من الخلف وأخرى من قدّام. والمعنى : ذو الوجهين. ومنه الحديث الآخر : «ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها» (٩). ويعبّر به عن النّفاق. والكلام الموجّه المحتمل الأمرين فصاعدا. ومنه أنّ رجلا أعور عابه إنسان فقال : جعل الله عينيك سواء. يحتمل أنه يريد : سواء في السلامة أو في العور. فهو دعاء له أو عليه. والتّوجيه في الشعر : الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الرّويّ.

__________________

(١) المفردات : ٥١٤.

(٢) ٦٩ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) ٤٥ / آل عمران : ٣.

(٤) النهاية : ٥ / ١٥٩.

(٥) النهاية : ٥ / ١٥٨.

(٦) ذلك أن وجوه البقر متشابهة بلا خلاف.

(٧) ٧٠ / البقرة : ٢.

(٨) النهاية : ٥ / ١٥٩.

(٩) صحيح البخاري ، أدب : ٥٢.

٣٣٢

فصل الواو والحاء

و ح د :

قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(١) أي لا ثاني له. وهذا همزته مبدلة من واو الوحدة ، وهي الانفراد. وهذا بخلاف أحد المستعمل في النّفي ، نحو : لا أحد فيها. فإنّ همزته أصلية. وقد أتقنت هذا في غير هذا. والمفسرون يقولون في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أحد بمعنى واحد. وقال الأزهريّ : الفرق بين الواحد والأحد في صفاته تعالى أنّ الأحد بني لنفي ما يذكر معه العدد. والواحد اسم لمفتتح العدد. وتقول : ما أتاني من أحد ، وجاءني منهم واحد ، والواحد بني على انقطاع النّظير وعوز المثل ، والوحيد بني على الوحدة والانفراد عن الأصحاب.

وقوله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً)(٢) من صفة المخلوق ، أي خلقته منفردا لا مال له ولا ولد ، ثم جعلت له ذلك. والوحدة : الانفراد. قال بعضهم (٣) : الواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتّة. ثم يطلق في كلّ موجود ، حتى إنّه ما من عدد إلا ويصحّ وصفه به ؛ فيقال : عشرة واحدة ، ومئة واحدة. قال : فالواحد لفظ مشترك يستعمل في ستة أوجه : الأوّل ما كان واحدا في الجنس أو في النوع كقولنا : الإنسان والفرس واحد في الجنس وزيد وعمر واحد في النوع. الثاني : ما كان واحدا بالاتصال ؛ إمّا من حيث الخلقة كقولك : شخص واحد ، وإمّا من حيث الصّناعة كقولك : حرفة واحدة. الثالث : ما كان واحدا لعدم نظيره ، إمّا في الخلقة كقولك : الشمس واحدة ، وإمّا في دعوى الفضيلة كقولك : فلان واحد دهره مثل : نسيج وحده. الرابع : ما كان واحدا لامتناع التّجزيء فيه إمّا لصغره كالهباء ، وإمّا لصلابته كالألماس. الخامس : للمبدأ ؛ إمّا لمبدأ الأعداد كقولك : واحد ، اثنان ، أو لمبدأ الخطّ كقولك : النقطة الواحدة. والوحدة في كلّها عارضة.

قال : وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه أنه الذي لا يجري عليه التّجزيء ولا

__________________

(١) ١ / الإخلاص : ١١٢.

(٢) ١١ / المدثر : ٧٤.

(٣) مذكور في المفردات : ٥١٤.

٣٣٣

التكثير ، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ)(١). والوحد : المفرد ، ويوصف به غير الباري ، والوحد بمعناه. وأنشد للنابغة (٢) : [من البسيط]

بذي الجليل ، على مستأنس وحد

قال : وأحد مطلقا لا يوصف به غير الباري تعالى. ويقال في المدح : هو نسيج وحده. وفي الذّمّ : عيير وحده ، وجحيش وحده (٣). فإن أريد أقلّ من ذلك في الذّمّ قيل : رجيل وحده. وقولهم : جليس وحده نصب على الحال لأنه في قوّة التّنكير ، إذ المعنى جلس منفردا. وهو من الأسماء اللازمة للإضافة إلى المضمرات. قوله : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ)(٤) إنّما أتي بأحد هنا دون واحدة لأنّ «أحد» نفي عامّ للمذكّر والمؤنث والجماعة.

قوله : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)(٥) قيل : بأن توحّدوا الله. وقيل : بخصلة واحدة. وهو عظة واحدة ، وهي (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) أي تجتمعون فتذكرون أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم ينفرد كلّ منكم فينظر في عاقبة ما قال وما قيل له فيظهر لكم أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن به جنّة (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)(٦).

و ح ش :

قوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)(٧) الوحوش : جمع وحش. والوحش خلاف الإنس. والحيوانات التي لا خلطة لها بالإنس ولا أنس لها يقال لها الوحش. والوحش أيضا المكان القفر ؛ قال الراغب (٨) : يقال : لقيته بوحش إصمت ، أي ببلد قفر. فظاهر هذا أنّ بين هذين الاسمين لمكان خال غير معيّن. فظاهر عبارة غيره من أهل اللغة أنّ «وحش»

__________________

(١) ٤٥ / الزمر : ٣٩.

(٢) ديوانه : ٦ ، وصدره فيه :

كأن رحلي ، وقد زال النهار بنا

(٣) التركيب ساقط من س.

(٤) ٣٢ / الأحزاب : ٣٣.

(٥) ٤٦ / سبأ : ٣٤ ، وما بعدها تتمة لها.

(٦) ٣٧ / الصافات : ٣٧.

(٧) ٥ / التكوير : ٨١.

(٨) المفردات : ٥١٥.

٣٣٤

المذكور هو الحيوان المتوحّش على الأصل. وإصمت : اسم لمكان بعينه أضيف إليه الوحش. وأنشدوا (١) : [من البسيط]

بوحش إصمت في أصلابها أود

ويقولون : إنّ إصمت منقول من فعل الأمر مجردا من ضمير بدليل منعه الصرف ، وفيه بحث حقّقناه في غير هذا. والوحش : الرجل لا طعام له ؛ يقال : رجل وحش وجمعه أوحاش. وفي الحديث : «لقد بتنا وحشين ما لنا طعام» (٢). وتوحّش الوحشات للدّواء ، أي احتمى له. وفي الحديث : «وحّشوا برماحهم» (٣) أي رموا بها. وفيه أيضا : «لا تحقرنّ شيئا من المعروف ولو أن تؤنس الوحشان» (٤). يقال : رجل وحشان ، أي مغتمّ ، وجمعه وحاشى ، على حدّ عطشان وعطاشى.

والوحشيّ من الإنسان يضادّ الإنسيّ منه ، والإنسيّ منه ما أقبل والوحشيّ ما أدبر. ومنه : وحشيّ القوس وإنسيّه أيضا. والوحشيّ مطلقا ما نسب إلى الوحش. وتوحّش ، أي صار كالوحش نحو تأنّس ، أي صار كالإنس.

و ح ي :

قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى)(٥). الإيحاء من الله تعالى إلى رسله إمّا بواسطة ملك كريم ، وإمّا بكلام يليق بجلاله حسبما يشهد بذلك كتابه العزيز. وأصل الوحي في اللغة الإشارة الشريفة ، هذا قول الراغب (٦). وقال الهرويّ : أصله في اللغة إعلام في إخفاء. قال الراغب : ولتضمّنه معنى السرعة قيل : أمر وحي ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعرّض. وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب وبإشارة بعض الجوارح

__________________

(١) عجز للراعي كما في اللسان ـ مادة صمت. وصدره :

أشلي سلوقية باتت ، وبات لها

(٢) النهاية : ٥ / ١٦١ ، وفي اللسان : «وحشين» ، وفي الترمذي : «وحشى».

(٣) المصدر السابق ، وفيه : «.. بأسلحتهم».

(٤) المصدر السابق.

(٥) ١٠ / النجم : ٥٣.

(٦) المفردات : ٥١٥.

٣٣٥

وبالكتابة. وقد حمل على ذلك قوله : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(١). قيل : رمز ، وقيل : كتب ، وقيل : اعتبار. وعلى هذه الوجوه المذكورة حمل قوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(٢).

قال : ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي ، وذلك أضرب حسبما دلّ عليه قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(٣) ذلك إمّا برسول مشاهد يرى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل عليه الصلاة والسّلام للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صورة معيّنة ، وإمّا بسماع كلام من معاينة كسماع موسى عليه‌السلام كلام الله ، وإمّا بإلقاء في الرّوع كما ذكر عليه الصلاة والسّلام «إنّ روح القدس نفث في روعي» ، وإمّا بإلهام نحو : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ)(٤) ، وإمّا بتسخير نحو قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٥) ، أو بمنام كقوله عليه الصلاة والسّلام : «انقطع الوحي وبقيت المبشّرات رؤيا المؤمن» (٦).

قال : فالإلهام والتّسخير والنّوم دلّ عليه قوله : (إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ، وتبليغ جبريل في صورة معيّنة دلّ عليه قوله تعالى : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) انتهى. يعني : أنّ الوحي يقع على أوجه أحدها : الوحي من الله لأنبيائه على لسان ملك أو من غير ملك ، وهذا الوحي الخاصّ لا يشرك الأنبياء فيه غيرهم من البشر. وقد وقع لنبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أوجه حسبما هو مذكور عنه عليه الصلاة والسّلام في الأحاديث المشهورة. وثانيها أن يكون إلهاما. وثالثها أن يكون إشارة. ورابعها أن يكون كتابة. قيل : خطّ لهم في الأرض : (سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا). وخامسها أن يكون بالقهر والتّسخير. وسادسها أن يكون أمرا : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ)(٧) أي أمرتهم.

__________________

(١) ١١ / مريم : ١٩.

(٢) ١١٢ / الأنعام : ٦.

(٣) ٥١ / الشورى : ٤٢.

(٤) ٧ / القصص : ٢٨.

(٥) ٦٨ / النحل : ١٦.

(٦) رواه البخاري في الشهادات : ٥.

(٧) ١١١ / المائدة : ٥.

٣٣٦

وهل ذلك بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز؟ يجوز الأمران. والمرجّح عند الأصوليين أنه إذا دار الأمر بين الاشتراك وبين الحقيقة والمجاز فالثاني أولى. وقيل : بالعكس.

ويقال : وحى وأوحى بمعنى / وومى وأومى. وأنشد للعجاج (١) : [من الرجز]

وحى لها القرار فاستقرّت

وقوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ)(٢) أي يوصلون ذلك بالوسوسة. وهذا كما أشار إليه بقوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)(٣). وقد يطلق الإيحاء على أصوات الحيوانات غير الأناسيّ. وأنشد علقمة (٤) : [من البسيط]

يوحي إليها بإنقاض ونقنقة

كما تراطن في أفدانها الرّوم

والوحا بفتح الواو والحاء : السرعة ، ومنه الحديث : «الوحا الوحا» (٥) قال الهرويّ : والفعل منه توحّيت توحّيا. قلت : فيكون هذا مصدرا على حذف الزوائد.

فصل الواو والدال

و د د :

قوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)(٦) هو المحبّ لعباده. قلت : ومعنى محبة الله لعباده ومحبّتهم له قد تقدّمت في مادة الحبّ لا على ما يخطر ببال الجهلة. ولذلك قال

__________________

(١) الديوان : ١ / ٤٠٨. وصدر الرجز فيه :

بإذنه الأرض وما تعتّت

(٢) ١٢١ / الأنعام : ٦.

(٣) ٥ / الناس : ١١٤.

(٤) في الأصل : طرفة ، وهو وهم ، وهو مذكور في ديوان علقمة : ٦٢ ، وصدره في اللسان.

(٥) النهاية : ٥ / ١٦٣ ، والحديث لأبي بكر. وهو منصوب على الإغراء أي : السرعة السرعة.

(٦) ١٤ / البروج : ٨٥.

٣٣٧

الراغب (١) : فالودود يتضمّن ما دخل في قوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(٢). وقال بعضهم : مودّة الله لعباده هي مراعاته لهم. روي أنّه تعالى قال لموسى : أنا لا أغفل عن الصّغير لصغره ، ولا عن الكبير لكبره ، فأنا الودود الشّكور.

قوله تعالى : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(٣) أي محبة من خلقه لهم. روي «أنّ الله تعالى إذا أحبّ عبدا نادى مناد في السماء ثم في الأرض ثم يوضع له القبول في السماء» (٤) الحديث. والودّ : محبّة الشيء وتمنّي كونه. قال الراغب : ويستعمل في كلّ من المعنيين ، على أنّ التّمني يتضمّن معنى الودّ ، لأنّ التمنّي هو تشهّي حصول ما تودّه. فقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً)(٥) إشارة إلى ما وقع بينهم من الألفة المشار إليها بقوله تعالى : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)(٦).

ومن المودّة التي تقتضي المحبّة المجرّدة قوله تعالى : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٧). ومن المودّة التي تقتضي معنى التّمنّي : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)(٨)(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)(٩).

قوله : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا)(١٠) هو صنم مشهور. قيل : سمّي بذلك إمّا لمودّتهم له وإمّا لاعتقادهم أنّ بينه وبين الباري مودّة ، تعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا. والودّ ـ بفتح الواو ـ وقد تقدّم أنّه أدغم. وقال الراغب (١١) : يصحّ أن يكون وتدا فأدغم ، وأن يكون لتعليق ما يشدّ به

__________________

(١) المفردات : ٥١٦.

(٢) ٥٤ / المائدة : ٥.

(٣) ٩٦ / مريم : ١٩.

(٤) رواه البخاري في التوحيد باب كلام الرب مع جبريل ، ومسلم رقم ٢٦٣٧ عن أبي هريرة. وانظر فتح الباري : ٦ / ٢٢٠ لاختلاف الرواية.

(٥) ٢١ / الروم : ٣٠.

(٦) ٦٣ / الأنفال : ٨.

(٧) ٢٣ / الشورى : ٤٢.

(٨) ٩٦ / البقرة : ٢.

(٩) ٩ / القلم : ٦٨.

(١٠) ٢٣ / نوح : ٧١.

(١١) المفردات : ٥١٦.

٣٣٨

أو لثبوته في مكانه ، فتصوّر منه معنى المودّة والملازمة ، يعني فتكون الدالان أصليتين من هذه المادّة.

و د ع :

قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(١) أي ما تركك وما خلّاك ، من توديع المسافر. قيل : والتّوديع أصله من الدّعة ، وهي خفض العيش ورفاهيته ، وذلك أنه يدعو للمسافر أن يتحمّل الله عنه كآبة السفر ، وأن يبلغه الدّعة. كما أنّ التسليم دعاء له بالسلامة ، ثم صار ذلك متعارفا في تشييع المسافر وتركه.

وودّعت فلانا ، أي خلّيته. ويعبّر بالوداع عن الموت. وعليه حمل قول الشاعر (٢) : [من الكامل]

ودّعت نفسي ساعة التّوديع

وعن ابن عباس في قوله : (ما وَدَّعَكَ) أي ما قطعك مذ أرسلك. قال : وسمّي الوداع وداعا لأنه فراق ومتاركة. وفي الحديث : «غير مودّع ربّي ولا مكفور» (٣). وقرىء : «ما ودعك» (٤) مخفف الدال ، وهو من التّرك أيضا. ولا يستعمل منه ـ في المشهور ـ ماض ولا اسم فاعل بل الأمر والمضارع ، نحو : دع هذا ، وتدعه. وقد جاء الماضي كهذه القراءة. وأنشدوا (٥) : [من الرمل]

سل أميري ما الّذي غيّره

عن وصالي اليوم حتّى ودعه؟

وقال آخر (٦) : [من الرمل]

ليت شعري عن خليلي (٧) ما الذي

غاله في الحبّ حتّى ودعه؟

__________________

(١) ٣ / الضحى : ٩٣. يريد : «ما قلاك» فألقيت الكاف.

(٢) الشطر في المفردات : ٥١٧.

(٣) النهاية : ٥ / ١٦٨.

(٤) ذكر ابن خالويه أن قراءة التخفيف قرأها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (مختصر الشواذ : ١٧٥).

(٥) أنشده ابن بري لسويد بن أبي كاهل. اللسان ـ مادة ودع.

(٦) عزاه ابن منظور إلى أنس بن زنيم الليثي مع بيت آخر ، وذكره الراغب من غير نسب.

(٧) ورواية اللسان : عن أميري.

٣٣٩

وفي الحديث : «لينتهينّ الناس عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم» (١). فالودع هنا مصدر. ويحكى أنّ شمرا قال : زعمت النحويّة أنّ العرب أماتوا مصدره وماضيه ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفصح (٢). قلت : أمّا فصاحته وأنّه أفصح فلا نزاع فيه ، ولكن يجوز أن يكون روي حديثه بالمعنى.

قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)(٣) قد تقدّم أنّ المستودع الأرحام أو الأرض في مادة (ق ر ر). وتقدّم قول العباس رضي الله تعالى يمدح نبيّنا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) : [من البسيط]

من قبلها طبت في الظّلال وفي

مستودع حيث يخصف الورق

والوديعة : ما استحفظها صاحبها عند غيره. يقال : أودعه إيداعا ، وذلك المودع وديعة. ويعبّر بها عن العهد ، ومنه حديث طهفة : «لكم يا بني نهد ودائع الشّرك» (٥) أي عهود الجاهلية. وتوادع الفريقان ، أي تعاهدوا. ومنه الموادعة ، أي المعاهدة. وقيل : المتاركة ، وهما متقاربان ، لأنّ كلا من الفريقين يعطي الآخر عهدا أن يتركه ولا يقاتله. قال القتيبيّ : أعطيته وديعا. فعلى هذا تكون الودائع في حديث طهفة جمعا لوديع. والتّوديع : أن تجعل ثوبا فوق ثوب آخر وقاية له. وفي الحديث : «فلمّا انصرف دعا له بثوب فقال : تودّع بهذا خلقك» (٦).

و د ق :

قوله تعالى : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ)(٧) الودق : المطر ، الواحدة ودقة. وقيل : الودق

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٦٥ ، من غير لفظة «الله» وقبلها مبني للمجهول. والمعنى : عن تركهم إياها والتخلف عنها.

(٢) اللفظة ساقطة من ح.

(٣) ٩٨ / الأنعام : ٦.

(٤) النهاية : ٥ / ١٦٨.

(٥) النهاية : ٥ / ١٦٧.

(٦) النهاية : ٥ / ١٦٦ ، وفيه : «.. بخلقك هذا» ، والضمير عائد على عبد الله بن أنيس. والمعنى : البس هذا الذي دفعت إليك في أوقات الاحتفال والتزين.

(٧) ٤٣ / النور : ٢٤.

٣٤٠